بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         تكاد تكون الوحدة – من حيث هي مشروع ومصير – في طليعة القضايا التي تراود العرب والمسلمين، إن لم تكن القضية الأولى، باعتبارها المنطلق الصحيح لمسيرة التطور والتقدم، وباعتبارها كذلك الحـل الحقيقي لجميع المشاكل التي يعانون ؛ وإن لم يعيروها ما تقتضي من تفكير وتصميم، وما تتطلبه من جد وحسم.

 

         وموضوعات هذا الكتاب تحاول تناول بعض جوانب تلك القضية، في ارتباطها بالفكر الذي لا إمكان لتبلورها أو تنفيذها إلا به.

 

         وهي موضوعات مختلفة، تجمع في شكلها بين البحث والمحاضرة والعرض، وما تفرضه مناسبة هذا الشكل أو ذاك من منهج وأسلوب. ولكنها جميعا تفضي إلى مجال واحد تتمحور حوله وتلقي بعض الضوء عليه، أعني مجال الفكر في تخطيطه للوحدة، والوحدة في كونها ثمرة ناضجة للفكر ؛ وهو مجال لا بد فيه من هذا التكامل الذي هو وحده القادر على حماية هدف الوحدة الكبير من أن يفشل أو يداس أو يجهض أو ينسف.

 

         وانطلاقا من تصور مرحلي أو تكاملي، فإن هذه الموضوعات الخمسة تطرح الوحدة في بعدها الإسلامي الواسع، ثم في بعدها المغربي الكبير، وكذا في بعدها المحلي الضيق.

 

         فالموضوع الأول يحلل الفكر الإسلامي من زاوية مستقبلية تجعله قادرا على الإقناع والمواجهة، وصالحا للالتزام به في وحدة وتنظيم.

         والثاني يتعرض للوحدة الإسلامية في جانبها النظري ومدى قابليتها للتطبيق، والنموذج الملائم لهذا التطبيق، مع الاستفادة من تاريخ المسلمين الأوائل وتاريخ المغرب في فترات غير قليلة.

         ويتناول الموضوع الثالث وحدة المغاربة في نطاق عقيدة السنة والفقه المالكي.

         أما الموضوع الرابع فيساهم ببعض الأفكار في البناء الثقافي للمغرب العربي الكبير.

         وأما الموضوع الخامس والأخير فيعرض – من خلال التراث الشعبي – لإشكالية التوفيق بين الخصوصيات الإقليمية المميزة وعناصر الوحدة المشتركة.

 

         ولست أزعم أني بهذه الموضوعات المحدودة المتفرقة، أقدم بحثا أو شبه بحث لقضية صعبة ومعقدة، فضلاً عن أن أقدم لها حلا جاهزا ؛ ولكن حسبي أن ألفت الانتباه إلى الضرورة الملحة للوحدة، وحاجة هذه الوحدة إلى كثير من التأمل والتدبر حتى تقوم على أساس قوي سليم.

 

         وبالله التوفيق.

 

الرباط 26 رمضان المعظم 1404هـ                                              عباس الجراري

موافق 26 يونيو 1984م